الخميس، 8 أكتوبر 2009

شهادة على الدين والمجتمع في أمريكا


- يااااااااه... يالا كبر مطار فرنكفورت, يشعرك بالضياع .. عكس مطار صنعاء !!!
هكذا فكرت وأنا أستريح في الترانزيت داخل مطار فرنكفورت بعد رحله طويلة من صنعاء ... أربع ساعات جميلة قضيتها في الحديث مع الأصدقاء الذين رافقوني في رحلتي وفى التحديق للمعمار الجميل للمطار الألماني.

فكرت حينها أن ألمانيا بلد صديق لليمن فلماذا لا أنزل لأشاهد الألمان في شوارعهم الجميلة, ولكن للأسف لا يتم الدخول إلى الأراضي الألمانية إلا بفيزا, أضف إلى ذلك أن الوقت لم يعد متاحا للخروج لمشاهدة بلد بحجم ألمانيا الاتحادية. ومع ذلك كان القادم مذهل أكثر وكانت الوجهة القادمة بلد رعاة البقر وبلد أبراهام لينكولن, ومايكل جاكسون, و مارتن لوثر كنج, و أوباما.

لا أنكر أنني قبل سفري كانت تدور في داخلي العديد من الأسئلة التي تراكمت عبر مشاهدات وقراءات سابقة. وكان بداخلي كم كبير من الإحساس الذي ينتابنا عند الخوف الناتج عن جهل الأخر على أرض الواقع وهل يختلف عن ما قدمته الكتب والروايات والأفلام والمسلسلات وأيضا الدراسات الأكاديمية أو تلك الرؤى المتناثرة على الشبكة العنكبوتيه " الانترنت".

قبل سفري كانت تدور في داخلي العديد من الهواجس. كنت أتساءل عن الهدف الخفي من دعوتي للمشاركة في تلك الرحلة. الكثير من أصدقائي كان يحذرني من انه قد يكون هناك أغراض خفية غير تلك المعلنة في استمارة التقديم. الإحساس الذي ينتابنا عند الخوف من الأخر والتفكير بمبداء المكيدة المبيتة.

عند وصولي إلى الأراضي الأمريكية, كنت لا أزال مثقل الكاهلين بتلك المعتقدات والأفكار المسبقة والأسئلة المحيرة, حول تعامل المجتمع الأمريكي " كمسيحين ويهود" مع المسلمين. هل يعاملون باحترام أم أنهم مجرد قلة قلية مضطهدة. كيف سيتعامل معي أصحاب تلك الديانات. وكيف سيتم الحوار بيننا. اهو حوار يهدف فيه إلى النيل من معتقداتي؟ حوار يكون الهدف منه هو استعراض العضلات وكلا يريد أن يبرز ويظهر كالمنتصر في حوار الأديان.

وبما أنى من نشاطا المجتمع المدني اليمنى فقد كان في بالى أن أنظر بشكل أكبر لحال المجتمع المدني في أمريكا. وقد كنت أتساءل, هل المجتمع المدني الأمريكي قادر على إحداث تغيير في السياسات؟ وما علاقة الدين في المجتمع؟ هل يعامل الجميع بتساوي تحت مظلة النظام والقانون؟ أم أن اعتناق دين أو معتقد معين قد يؤدي إلى التعرض للانتهاك والظلم؟

كنت ابحث عن إجابة, يا ترى أيوجد تشابه بيننا وبين الأخر في الولايات المتحدة؟ أم انه ذلك الفرق الشاسع والذي يفرق ما بين الليل والنهار؟ نحن كمجتمعات عربية مسلمة نعتبر أنفسنا مجتمعات محافظة, هل هم مثلنا أم أن ما تنقله لنا هوليوود هو الواقع المعاش في الولايات المتحدة.

يا ترى كيف يبدو أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى من مسحيين ويهود؟ أهم مثلنا, يعيشون مثلما نعيش؟ والمسلمين هناك كيف يعيشون؟هل تتداخل حياتهم بالدين كما يحدث في بلدي؟ أم أنهم يفصلون ما بين الدين والممارسة؟ وما مدى السقف الذي يتمتعون به في ممارسة هذه الطقوس والشعائر؟ هل لازال يتاح للمسلمين هناك أن يحافظوا على خصوصيتهم ويمارسوا شعائرهم الخاصة, خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟

كيف يتم تعليم الأطفال هناك؟ اهو كالذي يوجد لدى مجتمعات كثيرة؟ تعليم يدعو للبغض والكره للأخر؟ أم انه يدعو لنشر قيم الحب والتسامح؟ هل يعلم الصغار أن هناك أديان أخرى؟ أيمكن أن تجمع المدرسة العديد من الأطفال المختلفين في الديانات؟ يا ترى كيف سيتعامل المدرس ذو المعتقد المختلف مع الأطفال؟ أهناك مدارس خاصة تضمن الخصوصية في التعليم؟ أولا يمكن أن تقوم تلك المدارس الخاصة بنشر فكر الحقد والعداء؟

يا ترى كيف تبدوا دور العبادة الخاصة بالمسحيين واليهود؟ لدي رغبة عارمة لاكتشافها. يا ترى أيسمح لي بالدخول إليها؟ أم لا بد لي أن أتتطهر من وجهة نظرهم؟ أو ربما يحرم دخولي هناك؟

وهل يوجد مساجد للمسلمين, يمارسون فيها شعائرهم؟ وأن لم يكن هناك مساجد, كيف سأقوم بتأدية شعائري؟ هل في الخفاء مختفي عن أعين الآخرين؟

وهناك... وجدت الإجابات الشافية لكل تساؤلاتي, نعم في الولايات المتحدة الأمريكية. في اليوم الثاني لوصولي أديت صلاة الجمعة في واشنطن العاصمة مع جمع كبير للمسلمين. دهشت من الروحانية الموجود في ذلك المصلى. تجد أناس مختلفون الخلفيات والأصول يجمعنا دين واحد, ونعبد رب واحد. خطب بنا الأمام باللغة الانجليزية, وقد أبهرتني تلاوته للقران الكريم, وشرحه للآيات بالانجليزية أثناء الخطبة.

تحدث الأمام عن عمل الخير والمعروف, والتسامح والحب. دعا للتعاون بيننا. ولازلت أتذكر في نهاية خطبته عندما دعا الشباب إلى الزواج وإكمال نصف دينهم, والذي لم أتوقع أن المجتمع هناك يهتم بالعلاقة الزوجية والأسرية. أوضح الأمام فوائد الأسرة الصالحة, ودورها في خدمة وإصلاح المجتمع. تلك الخطبة ألهمتني, وكتبت بعدها مقال في مدونتي الالكترونية " مدونة تغيير" بعنوان " جمعتي الأولى في اشنطن". والشيء الأكثر إلهاما لي في صلاتي تلك هي أين كنا نصلي؟ لقد أدينا صلاة الجمعة في موقع كنيسة ( Western Presbyterian Church ) . لم اعلم ذلك إلا بعد خروجي من الصلاة. حيث كنت عندها أتأمل المبنى الذي أدينا فيه الصلاة ولاحظت أنه يشبه الكنيسة. عندها أوضح لي مضيفي, السيد/ رضوان صالح " من الاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية." أنه بسبب عدم توفر مسجد قريب, فان الكنيسة توفر قاعة كبيرة للمسلمين ليقوموا بأداء صلاة الجمعة فيها. كانت عندها دهشتي كبيرة من التسامح والتعاون والقبول بالأخر والموجود في أمريكا.

في اليوم التالي, قمنا بزيارة للكثدرائيه الوطنية. كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها كثدرائيه وأحضر قداس لمسيحيين. كنت منبهر من روحانية المكان, والتزام المسيحيين بأداء شعائرهم منذ الصباح الباكر. كانت أجواء تذكرني بصلاة العيدين. استقبلنا بحفاوة. وعندما علم الحاضرون أننا بعثة من المسلمين من الشرق الأوسط (اليمن, وقطر, والأمارات), كانوا جدا سعداء ومرحبين. لازلت أتذكر الخطبة التي تحدث فيها الجميع, سواء من المسيحيين, أم من زملائي الذين تحدثوا. الجميع متفقون أننا من نفس القاعدة والأصل كلنا من قاعدة الديانات الإبراهيمية, والجميع يحترم معتقد الأخر. ألهمهم زميلي سمير جبران بخطابة عندما قال: أننا نحب المسيح, ونبينا محمد أمرنا بحبه. بعد أداء القداس, تقدم الطرفين وكنت جداً سعيد, وأنا أصافحهم, والجميع يردد كلمة واحدة السلام عليك (pace be with you) . كان الجميع يشكرونا على مشاركتهم لصلاتهم. ودعينا بعدها لتناول الإفطار في مكتبة الكثدرائية.

في اليوم الذي يليه, كانت زيارتنا إلى الجامعة الأمريكية ( American University ) في واشنطن العاصمة, هناك عرفت أكثر عن تاريخ المسلمين. للمسلمين تاريخ قديم وعريق, ابتداء منذ الـ 1800 عبر استقدام ملاين من الأفارقة غالبيتهم من المسلمين. تلى استقدام الأفارقة الأمريكان هجرات عدة من المسلمين من مناطق شتى في العالم الإسلامي.

كان للمسلمين أدوار كبيرة ومهمة في نهضة الأمة الأمريكية. كما أن المسلمون الأمريكان يشعرون بالفخر والاعتزاز لمواطنتهم الأمريكية. وعند سوائلي لعدد كبير من الجاليات المسلمة. جميعهم يجيبكم بالاعتزاز بكونه مسلم أمريكي. فالمسلمون هناك يشاركون في شتى الأدوار السياسية والاجتماعية وغيرها. أبرز مثال كان كيث اليسون, أول عضو مسلم منتخب في الكونجرس. في نهاية رحلتي في الولايات المتحدة, سنحت لي الفرصة أن التقية. إنسان متواضع وبسيط في تعامله, رغم انشغالاته الكثيرة. عندما تتحدث معه يشعرك بأخلاق ونبل الإسلام.

في أمريكا عرفت الفرق بين اليهودية كديانة سماوية والحركة الصهيونية. في شيكاجو, التقيت بمجموعة من الناشطين اليهود من منظمة صوت اليهود. كانت المرة الأولى التي اجلس وبجواري يهود. ولأكون صادقاً في نقل مشاعري, كنت أشعر بشعور غريب. لكن سرعان مازال ذلك التوتر, واستمتعنا بالعشاء. اندهشت من أن هناك يهود يعارضون الاحتلال الصهيوني لفلسطين. حيث يقوم أولئك النشطاء بعدد من الأنشطة والتي يعبرون فيها عن معارضتهم للاحتلال الإسرائيلي. كانت تخبرني أحدى السيدات أنها تؤمن أن الفلسطينيين أصحاب قضية وأنهم مظلمون ويجب أن يحضوا بحياة كريمة في وطنهم.

في مينسوتا أطلعت على مدارس الصغار. زرت مدرسة يهودية وأخرى لمسلمين. وأعجبت بالحوار الذين ينظم بين أطفال كلتا المدرستين. يمارسون أنشطة مشتركة ويكونون صداقات مع بعضهم البعض. قد يختلفون, ولكني أومن أن تلك التجربة تتيح المجال لفهم الأخر والذي يحل كثير من الأفكار المغلوطة.

في أمريكا, وجدت السنة والشيعة. لديهم مواقف مشتركة بغض النظر عن الاختلافات المذهبية. وفي ميرلاند رأيت بأم عيني تلك العيادة التي تقدم خدماتها الخيرية لجميع المحتاجين وتدار بشكل طوعي من أطباء مسلمين والتي لا تقدم خدماتها فقط للمسلمين بل حتى لأصحاب الديانات الأخرى. زرت مؤسة كير في واشنطن العاصمة, وهناك تعرفت على الدور القوي الذي تلعبه في حماية حقوق الجاليات المسلمة, وكيف أن المجتمع الأمريكي منفتح لحماية حقوق الأقليات.

في أمريكا مارست صلاتي دونما خوف. الكل هناك يحترم شعائرك ومعتقداتك. مارست الصلاة داخل منزل أسرة مسيحية في أوكلير, وقام السيد/ أد رب الأسرة بتوجيهي ناحية القبلة. بعد انتهاء البرنامج, قررت أن أقوم بالتطوع لدى مؤسسة IREX في واشنطن العاصمة. وهناك لم أجد أي مشاكل من الصلاة في مقر المؤسسة مع أحد العاملين في المؤسسة, وزميلي في نفس المكتب سليمان.

كل ما ذكر, لا يعدو كونه عبارة عن أمثلة بسيطة. ولو أتيح لي المجال أن استمر في الكتابة فقد لا أتوقف. ولكني استطيع القول أن الولايات المتحدة تشعرك وكأنك تزور العالم اجمع أثناء تواجدك هناك. تقابل كل الأعراق والأصول. تلتقي بكل أصحاب الديانات والمعتقدات الأثينية.

باختصار أمريكا هي نموذج رائع, ملهم, وتجربة فريدة في حياة البشر اجمع بسلام. ذكرتني زيارتي تلك بما كنت اسمع عن التسامح والتشارك في الأندلس والتي تسمى الآن اسبانيا, ولكن ذلك لا يعدو كونه ذكرى لم تزل باقية إلا في الكتب. لكن ما شهدته في أمريكا هو واقع معاش. وما اسطره اليوم ما هو إلا شهادة على هذا العصر. شهادة على الدين والمجتمع في أمريكا. ودعوة للاستفادة من التجربة الأمريكية في الحياة الكريمة, واحترام حقوق البشر والتنوع, والتشارك في أعمار هذه الأرض.

كانت هذه الرحلة الجميلة خلال الفترة من فبراير وحتى مارس 2009م, حيث أتيحت لي فرصة السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمشاركة في برنامج حوار الدين والمجتمع والذي تنفذه مؤسسة السلام الوطني بالشراكة مع الاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية, وبرعاية من وزارة الخارجية الأمريكية.

تلك التجربة ألهمتني بكل ما تعنيه الكلمة, حيث أتيح لي أن أمر بعدد من التجارب الملهمة وأن أتعرف على التنوع الرائع للمجتمع الأمريكي كمجتمع مهاجرين ذو تنوع ديني واثني وموروث ثقافي ذو ألوان جميلة.

بقلم / فتحي الظافري

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

أعجبتني شهادتك على الدين و المجتمع في أمريكا
متعنا بمزيد من مقالاتك الرائعة

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...